Sun, Feb 21, 12:40 PM

حامل في زمن كوفيد : عصمت الموسوي 

طرقت عاملة المنزل باب غرفة مخدومها والذي يقيم في غرفة منفصلة عن زوجته ،قالت سيدي ،اود ان افاتحك بامر يخصني ، توجس الرجل شرا ، اسرعت هي بالقول ،انا حامل ولا ادري ماذا افعل ، ارتسم الغضب والاستياء على وجه الرجل ، حامل في زمن كوفيد ، حيث صعوبة السفر وإغلاق المطارات وتعثر استقدام العمالة من الخارج ، لم يدر ما يفعل إزاء هذه المفاجئة ،قال لها ،غدا افاتح زوجتي بالأمر ونناقش المسألة بمختلف جوانبها ،قبل ان يغلق باب غرفته ،علقت العاملة ،سيدي : دعني اذهب إلى بلدي واسوي اموري واعود اليكم ،انا فقيرة وعائلتي تعتمد على راتبي ولا اود خسارة ذلك من اجل خطأ غير مقصود 

في الصباح اجتمعت الاسرة واضعة امامها عدة خيارات للتعامل مع حمل الشغالة ،الابن الأكبر أصر على اخذها إلى الشرطة والتبليغ عن واقعة الحمل ثم تسفيرها على أقرب وأنسب رحلة طيران على حسابها الخاص عقابا لها على استهتارها ،الاب اختار المعالجة الهادئة بعيدا عن الشوشرة والفضائح مفضلا تسفيرها قبل تطور الحمل والغاء تأشيرتها والبحث عن عاملة منزلة جديدة .

اما الام التي كانت اكثر حزنا من الجميع على شعورها بخسارة عاملة المنزل التي وثقت فيها واقدمت على تدريبها وتحملت اخطاءها وغفرت لها مرارا ،رأت الام منح عاملة المنزل فرصة جديدة ومختلفة هذه المرة لتصحيح ومعالجة خطأها في بلدها ومنحها تذكرة سفر مرجعة واستعادتها مجددا 

وما هي إلا عدة ساعات حتى انقلب البيت رأسا على عقب ،احتدم النقاش والصراخ وقرر الابن انه سيترك البيت إذا تم الإبقاء على هذه المرأة التي رأى ان الأسرة تكافئها على خطئها بدلا من معاقبتها وتسريحها وتحميلها وزر ذنبها 

عاملة المنزل الافريقية تبلغ من العمر 27 عاما ،على جانب من الجاذبية والجمال ،عاشت مع الاسرة اربعة أعوام تخللتها زيارة واحدة إلى بلدها قالت انها للزواج من احد أبناء بلدها ، حين عادت راحت تشتري لوازم للبيت المستقبلي من ستائر واواني منزلية وغيره ،لا تبارح البيت إلا برفقة مخدومتها  او لشراء لوازمها الخاصة ،لم تعترف عاملة المنزل بمن تسبب في حملها بل تذرعت بالقول انها دخلت دورة مياه غير نظيفة في احد الاسواق  وربما كان ذلك هو السبب ، قال لها الابن بغضب : قولي لزوجك ان والد الطفل هو الحمام .

الأخطاء تحدث وعلى جميع الاصعدة مع هذه النماذج من البشر الذين يفدون الينا حاملين معهم ارثهم وثقافتهم المختلفة عنا ، تاركين خلفهم عائلاتهم وعلاقاتهم وملاذاتهم الاجتماعية الامنة ، وكل يوم تسجل مراكز الشرطة ومقار إيواء العمال الوافدين والسفارات مئات الشكاوى للعمال ولعاملات المنازل، وللنساء النصيب الأكبر فيها،إذ قد يتعرضن للاغتصاب او يستسلمن لنداء الطبيعة ولغريزة الجنس الجبارة الطاغية، او يتم اغوائهن فينتهي الحال بهن إلى الحمل المباغت او الاقدام على اجهاض أنفسهم بوسائل بدائية احيانا قد تعرض حياتهم للخطر .

انتصر قرار الأم وسافرت عاملة المنزل على أمل العودة بعد شهر ،لكنها كتبت إلى مخدومتها رسالة على الواتس اب بعد وصولها تقول فيها : "سيدتي: شكرا على تعاطفك معي ومساعدتك لي ولسوف أكون ممتنة لك طوال عمري، لكن الاجهاض فضلا عن انه محرم في ديني فإنه قد يحرمني أيضا من فرصة الإنجاب مستقبلا"

ثم كتبت لاحقا " انا في حيرة من امري، ولا ادري ماذا افعل ؟ لكني اعتقد أنني سأبقى على الطفل هنا في بلدي وسوف ترعاه امي وزوجي واختي في حال حصلت على وظيفة جديدة خارج بلدي، واذا رغبتم في استقدامي فسوف اكون جاهزة للقدوم بعد ولادة طفلي" .

هذه العمالة المنزلية تعيش بين ظهرانينا، لها مالها وعليها ما عليها ،الا انها تتوغل عميقا في ادق تفاصيل معاشنا، تربي أبناءنا والمسنين منا ،ترعى شؤوننا في حضورنا وغيابنا، تصير جزءا من نسيج حياتنا ، لكن حين يصدر عنها خطأ ما يجري التعامل معها بوصفها مخلوقات غريبة، وكثيرون عند حدوث الإشكالات معها ،ينزعون عنها لا مجرد حقوقها القانونية بل  حتى هويتها الإنسانية التي يتشارك فيها جميع البشر ، وهم "اما اخوة لنا في الدين او نظراء لنا في الخلق" كما يفصل الإمام علي ، ترى لو ان احد ابنائنا أقدم على أخطاء مماثلة، هل كنا نكيل بنفس المكيال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة