الطلاق الطائر : عصمت الموسوي
كان
الظلام والصمت والهدوء يرون على ركاب طائرة " اللوفتهانزا " الألمانية
القادمة من كندا مرورا بامستردام في
طريقها الى احدى العواصم العربية ، ولم يكن يخرق ذلك الهدوء سوى صوت مجلجل لحديث
يبدو انه من طرف واحد ، هل هذا راكب يتحدث الى نفسه ام ان الطرف الاخر أطرش او غير
مسموع الصوت ؟ اقتربت راكبة تجلس في الخلف من ذلك المقعد وتوجهت بنظرها الى مصدر
الصوت حيث يجلس رجل بجانب زوجته وابنه قائلة : معذرة يا سيد ، انت تتحدث بصوت عال
وتقلق هدوءنا ومنامنا ، عادت الراكبة الى مقعدها بخفة ، استلقت وغطت عينيها باحكام
،وما هي الا لحظات حتى قام الراكب من مقعده وتوجه اليها بغضب : من انت حتى تتتجرأي
علي بهذا الكلام ايتها المنحطة ؟ عاد الى مقعده وراح يزبد ويرعد متوعدا ومهددا ومتحدثا
عن حقه في الكلام اسوة بحق غيره في النوم ، سرت همسات خافتة وسط الركاب وتوجهت
الأنظار الى مقعد الراكب ، استيقظ النيام ورانوا بابصارهم إلى الجلبة ، بادرت
كبيرة المضيفات بالتدخل وقامت بتوبيخ الراكب وامرته باحترام المسافرين النائمين ،
استعادت الطائرة هدوئها وعاد الجميع الى النوم مرة أخرى ، التفت الراكب الى زوجته
وسألها : هل اعجبك هذا التصرف يا نرجس ؟ لماذا تغطين وجهك يا " مرة " ؟ افتحي
وجهك ، ظلت المرأة ساكته ، الا انها تلقت تهديدا من نوع آخر ا ، سوف اعد الى
الثلاث اذا لم ترفعي برقعك فأنت طالق ، واحد ، اثنان ، ثلاث ، نفذ الرجل وعيده وطلق زوجته بالثلاث ،
التفت الرجل الى طفله الصغير الذي يجلس متوسطا ابويه وسأله : وانت يا عادل هل
ستاتي معي الى البيت ام ستذهب مع امك الى بيت خالك ؟ لم يجب الطفل ، وعاد الرجل
موجها السؤال الى طليقته، بيد انها ظلت
ملتزمة الصمت واشاحت بوجهها عنه مصوبه نظرها نحو الشباك ، اقتربت الرحلة من
نهايتها فاعاد الاب يسأل ابنه : هل ستأتي معي ام ستذهب الى خالك ؟ قال الطفل ،اريد
ان أكون مع ألعابي .
هبطت
الطائرة والتقط المسافرون حقائبهم بينما امسكت نرجس بيد طفلها الذي اصر على فتح
حقيبتها واخذ كيس ألعابه ، قبل خروجه من المطار تلقى الاب إنذارا يطلب مثوله لمكتب
الامن على خلفية شكوى تقدمت بها راكبة على نفس الطائرة ادعت انه اهانها وصرخ في
وجهها ، وفتح محضر تحقيق في الواقعة .
بعدها
بساعة وقفت نرجس امام مكتب الامن ذاته للتبلغ عن اختفاء ابنها ، تم استدعاء الاب
والام إلى مركز الشرطة في المدينة صباح اليوم التالي للتحقيق في الواقعة .
ضابط
الامن : ما اسم الطفل وكم عمره وما علاقتكما به
الاب
: عادل في العاشرة انه ابني وهذه امه
الام
: انا طليقته ، زوجي طلقني البارحة في الجو ونحن في الطائرة
ضابط
الامن متعجبا : في الجو ؟
توجه
الضابط بالسؤال الى الاب ؟ ولماذا تطلق زوجتك في الجو ؟ هل كان الامر مستعجلا الى
هذا الحد ؟
·
الاب :
" قهرتني " قلت لها ارفعي نقابك فرفضت ، هددتها بالطلاق فلم
ترتدع
·
الضابط
متوجها بالسؤال الى الزوجة : ولماذا لم تطعي زوجك ؟
·
الزوجة :
لقد تعرض لاهانة شخصية او بالأحرى لصفعة لفظية واراد مني ان اشاركه في تلقيها ،
لقد غطيت وجهي خجلا من نظرات ركاب الطائرة ، ولتفادي الاحراج
·
الضابط :
انتما في رحلة سفر والمرأة تقف مع زوجها في السراء والضراء
·
اضافت
الزوجة : والاهانات ؟ انني يا سيدي اتعرض مع هذا الرجل العصبي المزاج لمواقف شتى و
عديدة امام طفلي وعائلتي وامام الناس فاستعين بهذا النقاب للاختباء ولحماية نفسي
من النظرات والسخرية والاستهزاء
·
الزوج :
تغطي وجهها امعانا في اهانتي وانتصارا لأعدائي وانحيازا لخصومي ،أقول لها مرارا :
ابتعدي عن هذه الخصلة السخيفة ، لا تغطي وجهك اثناء المحن التي اتعرض لها ، قفي
معي ، تحدثي الي ، خففي عني ، ولا تغلقي على نفسك وتتركيني اعاني وحيدا . اضاف
: ينتابني شعور انها تضحك علي من خلف نقابها .
·
الضابط :
لا عجب ان يهرب ابنكما من هذا الوضع
·
اجابت
الزوجة: ابني على شاكلتي يرى نفسه مشوشا وتائها في المواقف الصعبة والمهينة التي
يزجنا فيها ابوه ، وقد سمع أبيه يطلقني مرارا ، فيجد نفسه امام امرين كلاهما مر ،
فاما ان ينتهي امره معي ومع خاله الذي لا يطيقه ، او مع ابيه وزوجته الثانية ، لقد
هرب الولد فرارا من كل ذلك .
نشرت
الصحف الخبر نقلا عن مصدر امني في المطار : هروب طفل في العاشرة من عمره على خلفية
خلاف زوجي وخروج الزوجة عن طاعة زوجها
تعليقات
إرسال تعليق