امنية الراحل علي سيار: عصمت الموسوي
نال الراحل علي سيار العديد من الجوائز والتكريم وحظيت سيرته المهنية الطويلة والمتنوعة بشتى الكتابات منذ صحافة الخمسينات والى حين مرضه وعزلته القسرية لاحقا ،لكن كل ذلك لم ينس ولم يعوض علي سيار عن امنيته التي كانت خارج كل ذلك ، كان التكريم بالنسبة لسيار هي حصوله على ترخيص لإصدار صحيفة يومية عبر تحويل مجلة صدى الأسبوع المغمورة والمنسية الى صحيفة ثانية تصطف الى جانب اخبار الخليج الذي أصدرها الراحل محمود المردي - رفيق رحلته الصحيفة - عام 1976 ، ذلك ان الصدى التي تأسست في العام  1969 واكتسبت جاذبية وحضورا من خلال تغطياتها الجريئة لمراحل مهمة في التاريخ السياسي البحريني رغم تواضع إمكانياتها قد انحسر صيتها ووهجها بعد حل المجلس الوطني عام 1975 ، فيما اكتفت الدولة بالسماح لصحيفة واحدة خاضعة بالكامل للضبط والمراقبة استجابة لقانون 1947 للمطبوعات و النشر القاسي ، ولكن علي سيار لم يستسلم ولم يرضخ فراح يصب لجام غضبه على وزير الاعلام السابق الراحل طارق المؤيد محملا إياه المسؤولية في رفض طلبه وفي السماح له بطباعة المجلة لدى مطبعة الحكومة ،اذ كان سيار يعاني الامرين مع تكاليف الطباعة ومحدودية الدخل المتأتي من الاعلان والديون المتراكمة ، من هنا بدأ سيار بمهاجمه الوزير في شخصه معتبرا إياه الحجر العثرة في طريق مشروعه الإعلامي الطموح الذي ما كان الزمن ولا الظروف الأمنية والسياسية لتسمح بوجوده ، فالسلطة في البحرين كانت تعرف سيار جيدا ،لقد اختبرته على مدى أعوام مع صحف الخمسينات والستينات والسبعينات، احتك بسلطة المستعمر وواجه المستشار الإنجليزي بلجريف وأغلقت صحيفته عددا لا يحصى من المرات ،واجبرت في مرات أخرى على إزاحة اسمه والخضوع للرقيب ، علي سيار الذي اعتنق الفكر الناصري وجد في الكلمة سلاحا للنهوض والتنوير والتغيير ومقارعة المستعمر ونيل الحقوق ، لم يكن صحفيا عاديا بل كان ثائرا وجريئا ،وهي جرأة لم تكن لتٌحتمل لصحفي يرى الصحافة بوصفها سلطة شعبية رابعة وشريكة في الحكم وفي صنع القرار الوطني ،فالصحفي في عرف علي سيار ليس موظفا لدى الدولة بل رقيب على اعمالها ويستمد مكانته ودوره من هذا الموقع ، لذا ابقى علي سيار على تلك المسافة الضرورية اللازمة بين الجريدة وبين السلطة حماية للاستقلالية والحياد والمهنية ، فهي ان انحازت للحكم خسرت شعبيتها وان لم تفعل خسرت مصدر تمويلها ودعمها ، لعبة توازن دقيقة لم يستطع علي سيار اجادتها كما فعل غيره ، ومنذ منتصف السبعينات حتى عام 1989 لم يتزحزح سيار عن امنيته وظل يرى نفسه رئيسا لتحرير المطبوعة الثانية في البحرين ولا احد سواه اجدر واحق واولى بها .
وقد تبدد حلم علي سيار بعد صدور الصحيفة الثانية في البحرين " الأيام " وشعر بالاسى مجددا اذ اعتقد ان وزير الاعلام قد خذله وطعنه وتجاوزه واستولى على فكرته ومشروعه والترخيص الذي يمتلكه منذ سنوات ومنحه لآخرين اقل استحقاقا له، فضلا عن انهم  لم يسعوا اليه ولم يطلبوه كما فعل سيار طوال عمره ،هكذا كتب سيار في اول مقالة تعقيبيه بعد الإعلان عن اشهار الصحيفة ،وتصور الكثيرون ان الصدى ستغلق بعدها ، الا انها استمرت ، تخسر ولا تربح ،موجودة وغير موجودة ، فتحولت الى عبئ على صاحبها ، في العام 2000 انتقلت الى صحيفة الأيام ضمن صفقة او عقد جرى الاتفاق عليه ضمن شروط محددة سرعان ما جرى نقضه فأورثه ذلك حسرة وحزنا
ان المآل الذي انتهت اليه صدى الأسبوع لا يختلف عن مصير مطبوعات كثيرة في بلدنا تشي ان فشلها اما كان داخليا او خارجيا او الاثنين معا، فالصحافة الحرة المستقلة التي هي جزء من أي نظام ديموقراطي لم تعرفها كل منطقتنا العربية، ظلت مهنة الصحافة ارضا رجراجة غير مستقرة وغير مطمئنة وغير موثوقة الجانب، لم تعرف الاستدامة والتطور والنمو الطبيعي الخلاق، لذا كان حسبها ان تكون مسايرة للأنظمة كي تنجو وتواصل الرحلة تحت سياط شتى الضغوطات كي تقي نفسها من العقوبات والحبس والحجب والتوقف والاغلاق النهائي
 حين دخلنا زمن الاعلام الرقمي والصحافة الالكترونية الأقل كلفة والأكثر تعبيرا عن حاجة المجتمع، تذكرت استاذنا الراحل علي سيار ومحنته وازمته مع طموحه الصحفي اللامحدود وامكانيات الواقع الشحيح ماديا وسياسيا، ولو عاش سيار الى هذا الزمن ربما لاستطاع نقل مطبوعته الى هذا الفضاء الواسع، ولوجد ان المطبوعات والجرائد الورقية ينحسر قراءها يوميا وتتوجه للفضاء الرقمي، وكل تطور تكنولوجي جديد يعجل بنهايتها ، تماما كما حدث لمطبوعته التي احبها ولم يكف يوما عن الامل في استعادة شبابها وماضيها الزاهر .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة