تلك الأيام : عصمت الموسوي:
كيف يكون شعورك اذ ترى المبنى الذي عملت فيه
وقضيت فيه شطرا كبيرا من عمرك وقد تحول الى ركام او اطلال او حل محله مبنى آخر
وقضى الجديد على القديم تماما ؟ يختلف الناس في التعاطي مع هذا المشهد، فثمة من
يستحضر الأيام الحلوة والذكريات الجميلة وثمة من يتوقف عند النهايات الحزينة والتي
قد تكون طبعت ورسخت علاقته بالمكان والأشخاص والوقائع.
المكان الذي اشير اليه هو مبنى صحيفة الايام في
الجفير ،فذات يوم قرر الوزير الراحل طارق المؤيد تأسيس صحيفة يومية ثانية عام 1989
، واختار لها عددا من الإعلاميين لتأسيسها والعمل فيها عبر تمكينهم من امتلاك اسهم
فيها ، وبذلك يكون الصحفيون شركاء لا مجرد موظفين اجراء في صحيفتهم " الوصفة
البديهية للنجاح التجاري في أي مشروع " وذلك بدعم من الدولة وعبر قرض حسن يسدد
على مراحل لاحقا ،أي حين تتمكن الصحيفة من اثبات مكانتها والاعتماد على نفسها والاستقلال بذاتها ،
وماهي الا سنوات بسيطة حتى استطاعت الأيام ان تشق طريقها كالصاروخ وان تطرح نفسها
كصحيفة شبابية متجددة وان تستقطب افضل الأقلام ، وان تنال ثقة الشارع البحريني وان تكون
على كل لسان ،وان تحقق بالفعل المكانة الأولى تحريرا واعلانا وتوزيعا، اما المساهمون فقد وجدوا
أنفسهم خارج الحسبة تماما، مساهمون بالاسم فقط ، فتحولت اجتماعات الجمعية العمومية
الى مكان للاختلاف ولتبادل الاتهامات بين مجلس الإدارة والمساهمين، وانتهى بعضهم الى
المحاكم والتي لا تزال قائمة الى يومنا هذا، وهكذا تبددت أحلام الإعلاميين المساهمين
في الصحيفة التي حلم بها الراحل طارق المؤيد وتمناها الاعلاميون البحرينيون .
ان مما لا شك فيه ان صحيفة الأيام بلغت شأوا عظيما
بفضل جهود كل من عملوا فيها من نخبة شبابية واعدة ومتحمسة في جميع الأقسام رغم
حداثة تجاربهم وانعدام خبرات بعضهم ، وبالعودة الى المبنى القديم وما انتهى اليه مؤخرا
بعد هدمه ،فقد تطوع احد زملاء الأيام السابقين بنشر ما تبقى من ركام المبنى وجدارها المكتوب عليه " الجريدة الأولى في البحرين " واسس "جروبا "
جمع فيه كل زملاء المهنة السابقين واللاحقين داخل البحرين وخارجها ، وهكذا تواصلنا
مجددا مع الزملاء السابقين والمصائر التي انتهوا اليها ،والمحزن في الامر ان
اغلبهم غادر مهنة الصحافة الورقية التي أصبحت طاردة وليست جاذبة حتى لعشاقها
، في الوقت الذي برز فيه الاعلام البديل واكتسح الساحة وغير دنيا الاعلام ومفاهيمه
القديمة وحدوده الضيقة ،وهو فضاء انتج نجوما جدد وصحافة مختلفة وابداعا غير مألوف
وغير تقليدي رغم القوانين المقيدة لحرية التعبير ليس في بلدنا فحسب ، بل في كل الأرض
العربية
"جروب زملاء المهنة " الي حمل عنوان ايام الايام اثار الذكريات
والحكايات المختلفة واتاح الفرصة للتعارف والتلاقي والتواصل مجددا بعد أعوام طويلة من الافتراق ، وسأكتفي
في المقالات المقبلة بسرد ذكريات تأسيس الصحيفة والتحديات التي صادفتها والطرائف
التي ترافقت معها، والاهم أسباب نجاحها وتفوقها في تلك الفترة، واعرف ان لزملائي
الكثير من الحكايات الجديرة بالسرد ،وللحديث بقية ...
تعليقات
إرسال تعليق