جاسم مراد والأيام : عصمت الموسوي
صباح الخير أبو صلاح ... عندي لك اليوم قصة جديدة
-       قولي
عائلة بحرينية والعائل سجين على ذمة قضية جنائية في مصر
-       وماذا يريدون؟
-       تذاكر سفر لزيارته.
اذهبي لزيارتهم وتحققي من الحكاية وسأرسل لك التذاكر غدا صباحا..
بهذه السرعة، وبهذه البساطة، وعبر توليفة ثنائية تقوم على الثقة والصدق والشفافية بيني انا الصحفية وبين  الراحل الجميل جاسم مراد تعاطينا مع الشأن المجتمعي المتعلق باحتياجات الناس التي ترد الى زاوية بريد القراء في صحيفة الأيام، وقمنا بمساعدة العديد من العائلات والافراد عينيا وماليا ، هو الممول وانا الوسيط ،لا يسألني جاسم عن التفاصيل وأين ومتى وكيف ؟ " توكلي على الله " ، تلك جملته المعتادة ، بعد سنوات من ترك المهنة سوف انسى كل شي ، متاعب المهنة وايامها الحلوة والمرة ، الا تلك الفرحة والسعادة التي كنت اشاهدها على وجوه هؤلاء الناس البسطاء ، وكثير منهم لم يعرفوا جاسم ولم يسمعوا به ،ولم يرد جاسم الالتقاء بهم تفاديا للحرج وحفظا لماء الوجه ، الا سجين القاهرة ،ولكن تلك حكاية سآتي على ذكرها تاليا ..
وكنت قد ادرت صفحة القراء مرتين، الأولى في الثمانينات مع جريدة اخبار الخليج والثانية مع جريدة الأيام، خصصت صفحة في مفكرتي اسميتها " اثرياء البحرين " وكنا نتواصل معهم ونحوُل لهم الحالات التي تستدعي المساعدة والطوارئ العاجلة معيشيا، طلاب جامعات عاجزون عن دفع الرسوم، مرضى بحاجة الى علاج، نكبات سكنية اثر حريق او عوز او عطالة عن العمل، وغيرها من القضايا   
يقرأ جاسم مراد الصحف يوميا ، يتوقف امام زاوية بريد القراء ، يهاتفني اذا وجد رسالة تستنجد العون والمساعدة المالية ، والواقع انني لمست تجاوبا إيجابيا من اغلب الأثرياء في البحرين ،بيد ان كثير منهم يحيلون الموضوع الى اقسام خاصة بالمساعدة والمشاريع الخيرية وكلها تتضمن ما يشبه لجان للتحقيق  وتحتاج وقتا للبت فيها ، ذلك انهم يتلقون رسائل طلب مساعدة من جهات عديدة ، بيد ان جاسم مراد كان هو الأسرع استجابة والاقرب بالنسبة لي خصوصا في الحالات الطارئة والتي يكون الوقت عاملا مهما في حسمها ، ،بيني وبينه خط ساخن ،اصل اليه في كل وقت ، واذا كان مسافرا يحيلني على ابنه زياد ، تصلني مظاريف المساعدة المالية عبر سائقه " كومار " وما هي الا يوم او يومين حتى نكون قد انجزنا المهمة ، قبل ثلاثة أعوام هاتفني جاسم صباحا ،قال لي هل قرأت زاوية القراء بصحيفة الوسط ؟ طالبة طب متفوقة وعلى وشك التخرج والرسوم الجامعية الباهظة تقف حائلا دون ذلك، كان مبلغا كبيرا يصل الى 30 الف دينار " رسوم عامين دراسيين " ، التقيت بالعائلة واخبرتهم ، وصلت الرسوم في اليوم الثاني ، وتخرجت الدكتورة التي تزمع التخصص في حقل طبي نادر بسبب تفوقها وشطارتها .
هذه بعض من حكايات جاسم التي اتذكرها من خلال زاوية بريد القراء في صحيفة الأيام ،يؤمن جاسم ان البذل والعطاء يحرك الحياة ويغير حياة الاخرين ويترك اثرا محمودا ،كان يقول اذا : انكسر خاطرك على شخص ما " فلا تكتفي بالتعاطف او الشفقة ،كلمات مثل مسكين ، والله يعينه ،وحرام ، لا تفيد ، ما يفيد هو تقديم شيء ما لتغيير حاله ونقله الى حال افضل ، جاسم كان يقول : هذه الأموال التي ندفعها للمساعدة تعد قليلة جدا قياسا بثروتنا ، وهي مبالغ لا تؤثر على التاجر ولا تقلل مداخيله ، وجدير بالأثرياء يكونوا عونا لأبناء بلدهم باستمرار ، اما نزعة الاستئثار والانانية والطمع والدوس على حقوق الاخرين فلا تورث الى الكراهية والبغض وتفتيت أواصر الحب والمودة والتآلف .
ونعود الى سجين القاهرة، فقد وصلتني رسالة خارجية من مصر ،ومن سجن طره تحديدا في مطلع عام 1999، قرأتها ،فاذ نصفها باللهجة البحرينية والنصف الاخر بالمصرية ،يقول صاحبها : انه سجن على اثر قضية جنائية في مصر ، وقد امضى نصف محكوميته تقريبا ، وانه قرأ صحيفة الأيام بالصدفة لان النسخ القديمة من الصحف البحرينية وصلت اليه بطريقة ما عبر وساطة السفارة البحرينية في القاهرة ، وفي الرسالة طلب مني صاحبها امرين : الطلب الأول من وزارة الداخلية والسماح له بتمضية الفترة المتبقية من سجنه " المؤبد " في البحرين ، والثاني : مساعدته ماليا لشراء تذاكر سفر لأهله لزيارته في سجن طره.
جاسم مراد حقق امنيته الثانية، واما مطلبه الأول فقد تحقق على يد جلالة الملك حمد بن عيسى حفضه الله عشية انطلاق المشروع الإصلاحي عام 2001 ، اذ عاد الى الوطن ضمن جموع العائدين السياسيين وغدا نكمل .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة