قاعات الكلام: عصمت الموسوي

آخر شحنة كتب غادرت مرفأ بيروت قبل تفجيره بلحظات، احتوت الشحنة على كتاب المدربة الإدارية البحرينية وسيلة الموسوي الموسوم ب قاعات الكلام والصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، قال لها الناشر: انت حظيظة يا وسيلة، فقد قضى الانفجار على الاف من شحنات الكتب والبضائع والارواح والبيوت والمنشآت في ذلك اليوم المشؤوم، لكن كتابك كان من الناجين.

وسيلة كانت حظيظة أيضا اذ منحها رئيسها الراحل عبد الرحمن درويش مدير إدارة التدريب بديوان الخدمة المدنية صباح يوم من أيام التسعينات الفرصة كي تنزل الى قاعة التدريب وتحاضر على مجموعة من الموظفين على إثر غياب المدرب المختص، وقعت وسيلة في غرام قاعة التدريب منذ اللحظة الأولى، فسارعت لسد النقص الأكاديمي لديها فحصلت على البكالوريوس والماجستير في التدريب والموارد البشرية كي تكون في مستوى المهنة، اذ كان التدريب قصرا على حملة الدكتوراة فحسب

وفي قاعات التدريب الفت نفسها مع مجموعات متنوعة من موظفي القطاع العام والخاص في البحرين وفي دول الخليج الذين راحوا يسردون لها إشكالات الوظيفة وشؤونها وشجونها، وفرص الترقي واحلام المستقبل الوظيفي، واصول التعامل مع الرؤساء ذوي الطباع الصعبة وتحديات الابداع والتغيير للخروج من الصناديق المغلقة وزوايا الراحة والهدوء والرتابة الوظيفية.

اكثر من 150 دورة تدريبية في القطاع العام والخاص اقامتها بين البحرين ودول الخليج، حين تنخفض ميزانيات التدريب وتشح الدورات تعرض وسيلة على المؤسسات تقديم دورات مجانية كي لا ينقطع حبل ودها وتواصلها وممارستها لمهنتها.

وسيلة التي طيعت الحظ واستثمرته لصالحها ، اجتهدت في تحويل قاعات التدريب الجافة والمملة والرتيبة الى مكان من المرح والتعاطي الخلاق بين المدرب والمتدربين عبر استخدام تقنيات التمارين الذهنية والألعاب المحفزة والتمارين الجماعية الحركية ، في نهاية كل دورة كانت وسيلة تلملم اوراقها وتطفئ جهازها المحمول وتعيد مراجعة الدورة مستعرضة الإيجابيات والسلبيات من اجل درس مستقبلي افضل ،وترى وسيلة ان الحكايات التي رواها المتدربون لم تكن الا نتاجا جميلا للتفاعل الخلاق والتشارك الحيوي والمصارحة بين المدرب والمتدربين

تلقت وسيلة التدريب في سنغافورة ثم اضافت عليه وابتكرت اساليبها الخاصة مستفتحتة كل دورة بنهج جديد ومختلف، يعتمد على طرح الأسئلة لفهم احتياجات المتدربين واجراء التغيير المستمر في القاعة بعد كل 20 دقيقة ثم إعادة تغيير الأماكن وفقا لشخصياتهم وميولهم. كأن تختار اكثرهم هدوءا وخجلا وتواريا وتجلسه بجانب ذلك الموظف الحيوي النشيط من اجل جعلهم يرون أنفسهم قياسا بالآخر.

على طراد بحري صغير ابحرت وسيلة مع المتدربين باتجاه جزر حوار في شهر صيفي حار في دورة تدريبية عن التخطيط المهني الفعال، ما ان وصلوا وداعب النسيم الرطب وجوههم، حتى خلعوا ملابسهم ونزلوا الى البحر، راحت تطاردهم واحدا واحدا لإجبارهم على العودة الى قاعة التدريب في ذلك الفندق الساحلي الجميل فلم تفلح، مضى الوقت وهي ترمقهم يوغلون بعيدا عن عينيها، حين عادوا قررت إقامة الدورة على الشاطئ وليس في القاعة المغلقة كي تبقيهم بالقرب من البحر.

 استنطقت وسيلة المتدربين وخلقت بيئة مكانية وفصول مشجعة وتقنيات ملهمة وجريئة ومساعدة على البوح والتعبير الحر وكسر الجمود ونزع رداء الخجل والخوف والانفتاح على الاخر فانسابت القصص والحكايات الجميلة.

قاعات الكلام امتداد خلاق للصنعة التي اتقنتها وسيلة واحبتها وشغفت بها فأفاضت عليها بالمن والسلوى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة