طه وطه : عصمت الموسوي
هذه حكاية بحرينية زرعت في طريقي بمحض
المصادفة ، ويا للمفارقة فبطلاها يحملان الاسم نفسه ، الأول واسمه طه صبي ولد طبيعيا
ونمى وترعرع بشكل طبيعي الى ان بلغ الرابعة فأصيب بحمى شديدة وبدأ يتدهور شيئا
فشيئا ،وقد صنفت حالته وقتها بوصفها إعاقة ذهنية فلم يتمكن من صلب رأسه او اطرافه
او جذعه وظل طريح الفراش بلا نطق ولا ادراك ،نسي الوقوف والمشي ،لم يذهب الى مدرسة
او ساحة لعب ، بل غادر مرحلة الطفولة وولج الى عمر السادسة عشر دون أي تحسن في
حالته ، سارع الاب الى اخذه الى المراكز الطبية واختصاصي الامراض العصبية للأطفال ثم
أطباء العظام والمفاصل ، وجاءت الفحوصات جميعها مؤكدة إصابة الطفل بحالة شلل دماغي
رباعي نتيجة تلف في النوى القاعدية في الدماغ ،قيل انها من الاعاقات الدائمة التي
لا امل في شفاءها ، لم يقتنع الاب بتشخيص الداخل بل اخذه الى العلاج في الخارج ،
الهند ، ايران ،مصر ، فلم تجد نفعا ،وفي كل مرة يستدين الاب ويراكم الديون من اجل السفر
واجراء الفحوصات الجديدة واختبار الأجهزة الدقيقة الحديثة الى ان انتهت الرحلة الى
الأردن قبل عدة اشهر ،قرأ الاختصاصي الأردني ملف طه كاملا بكل تفاصيله فنصحه بالعودة
الى البحرين والتوجه حالا الى الدكتور طه
الدرازي استشاري جراحة الدماغ والاعصاب ، حين وصل المريض طه الى الدكتور طه كان
الاب قد قضى 16 عاما في التنقل من طبيب الى طبيب ، ومن عشرات النصائح والاستشارات التي
يسمعها من هنا وهناك ،وكلهم اجمعوا ان لا امل في طه الا عبر ممارسة تمارين العلاج
الطبيعي التأهيلي، انفق الاب خلالها الاف الدنانير ، قروض بنكية واستبدال معاش
وقروض من التأمينات ، بل ان تكاليف العلاج الطبيعي وحدها ناهزت الأربعة الاف دينار
على مدى سنوات ،وكل ذلك لم يحرك ساكنا في الوضع الصحي للصبي ،لكن مع الدكتور طه
حدثت استدار كاملة في طريقة العلاج ،فبعد اجراء الفحوصات الجديدة تبين للطبيب ضعفا
في الدماغ ،تغير مسار العلاج من التوجه للعملية الجراحية الى تعاطي نوع خاص من
الادوية المختصة بتغذية الدماغ ، وما هي الا شهر ونصف حتى بدأ الطفل يستجيب الى حد
كبير ، في البداية اصطلبت رقبته ،وبدأ يشهد تحسنا في حركة اليدين والقدمين ثم بدأ
يجلس وحده دون مساعدة ، وكل أسبوع يحقق طه مزيدا من التقدم ، وكنت قد تابعت حالة
الصبي طه منذ سنوات حين اخبرني الاب انه يزمع اخذ ابنه الى الصين وتجريب العلاج
بالخلايا الجذعية ،لم يتسنى للاب ان يذهب الى الصين بسبب تكلفة العلاج والسفر
المكلفتين ولكنه ظل يمني النفس بهذه الرحلة وبأن الله كريم ولن يخذله .
وما
حدث لطه هو انه انتقل من العلاج الاختصاصي الخاص بالأطفال الذي انتهى الى تشخيص
واحد وعلاج واح لم يتغير لسنوت طويلة، الى اختصاصي الكبار بعد ان بلغ ال16 من عمره
فوصل الى يد الدكتور طه الدرازي .
والمفارقة ان هذا الدواء الذي لا يتعدى سعره
الدينار والنصف للزجاجة الواحدة حقق مالم تحققه مئات من جلسات العلاج الطبيعي ، قد
كان الصبي طه يسير على سكة العلاج المؤدي الى لا شيئ ، وانتهى أخيرا الى المكان
الصحيح والطبيب الصحيح والعلاج الصحيح ، تكبد الاب في هذه الرحلة خسائر مادية تفوق
قدرته المادية البسيطة ،وكان لا يزال يفكر في العلاج الخارجي قبل ان يتبين له ان في
بلدنا كوادر طبية على درجة عالية من التمكن والتأهيل والتدريب ، كوادر على شاكلة
الدكتور طه الدرازي الذي حقق خلال مسيرته المهنية العشرات من العلاجات الناجحة المماثلة
في طب الاعصاب والدماغ .
طه وطه حكاية بحرينية جديرة بأن تروى ،ولذا أحببت
مشاركتكم في سرد تفاصيلها وتبيان مفارقاتها العجيبة
يستحق بطل المقال و شكرأ لقلمك الرائع، الوطني، الإنساني.
ردحذفوالنعم بابن الدراز
ردحذف