الفاقد في التعلم وكيف نعوضه؟ عصمت الموسوي 


هل عوٌض "التعلم عن بعد" تلك المساحة الواسعة والرحبة (المغيبة؟) في منظومة التعليم الاعتيادي والتقليدي القائم على وجود المدرسة والصفوف والمعلمين والزملاء واللعب والاختلاط والاندماج والالتزام والانضباط؟ ذلك سؤال دار حوله حوار بيني وبين الاستشارية التربوية ورئيس مجلس إدارة مؤسسة إي دي دي (EDD) للاستشارات التربوية الدكتورة صفية صادق البحارنة قبل يومين.

لنبدأ أولًا بتعريف المقصود من مصطلح "فاقد التعلم". والذي يعني "ضياع أو فقدان المعرفة والمهارات التي اكتسبها الطالب، أو تراجع تحصيله الأكاديمي بسبب انقطاعه أو توقفه عن الدراسة لفترات ممتدة."


تستشهد البحارنة بعدد من الدراسات التي صدرت مؤخرا تتحدث فيها عن الفاقد في التعلم منذ ظهور كوفيد 19 ولغاية اليوم، وأن التعلم عن بعد والاستعاضة بالشاشة عوضا عن مجمل العملية التعليمية أوجد فاقدا كبيرا في التحصيل العلمي والمعرفي لدى الطلاب من الصف الأول إلى الصف الثاني عشر، فضلًا عن انخفاض النمو الاقتصادي العام في معظم الدول، وبحسب تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) فإن الطلاب المتأثرين بإغلاق المدارس بسبب COVID19 قد يتوقعون دخلًا أقل بنسبة 3٪ تقريبًا على مدار حياتهم بأكملها.

ولكن ألا يمكن تعويض هذا الفاقد في التعلم سألتها: فأجابت: حتى لو تم فتح المدارس ورجعت العملية التعليمية الى سابق عهدها فسوف يبقى اثر هذا الفاقد مستمرا لعدة سنوات، والأمر يعتمد على إمكانيات كل دولة وجديتها في وضع السياسات لتعويض هذا الفاقد.

وتفصل البحارنة بالقول: إن الدراسات التي أجريت على ما يزيد عن خمسة ملايين طفل من الصفوف 3-8 أسفرت عن حدوث فاقد كبير في التعلم وصل إلى أكثر من 50% في بعض المواد (الرياضيات مثلًا) إضافة إلى فاقد في المهارات الادراكية بشكل عام، هذا في أفضل الأحوال وضمن العائلات الميسورة و المقتدرة و الحريصة على تعليم أبنائها والمهتمة بشؤونهم. أما الفئة الأكثر تضررًا فقد كانت فئة الأطفال الذي يأتون من عائلات فقيرة وكثيرة العدد، وكذلك الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم بحكم أنهم يحتاجون تعليما مركزًا ومكثفًا ومغايرًا. 

هذا يدفعنا إلى التساؤل: كم من عائلة فقيرة تعذر عليها الحصول على اللاب توب أو نعمة الإنترنت المفتوح، أو الوقت الكافي للجلوس مع الأبناء؟ إذن فالفاقد الذي أشرنا إليه كان الأكبر على الفقراء والاكثر احتياجا وحرمانا ،هؤلاء اكثر من قاسى من الانقطاع المدرسي، إذ خسر علميا وخسر اجتماعيا وعاطفيا وخسر العلاقة باللعب والاصدقاء والمعلمات، وخلق لدى الطفل إجمالا ومن جميع الشرائح فراغا ومشكلة اجتماعية مع نفسه ومع أسرته، في الأطفال في هذه المرحلة ينمون من خلال الاختلاط والاندماج وتكوين العلاقات والصداقات وممارسة العملية التعليمية الشاملة. 

الأخطر من ذلك أن الانقطاع المدرسي والتعلم عن بعد وبشكل فردي  قد أثر على مفهوم ومبدأ المساواة وتكافؤ فرص التعلم التي عمل العالم ومنظماته منذ عقود على إنجازه وتحقيقه كي يحظى الجميع فقراء وأغنياء ،،ذكورا وإناثا بحقهم من التعليم المتساوي، فقد انكسرت هذه الحلقة المهمة في مسار التعلم بسبب جائحة كوفيد، ووجدنا انفسنا في صفوف تضم نصف او ربع الطلاب، ويوم دراسة ويوم غياب، وايضا الفئة الفقيرة صاحبة الضرر الأكبر .

والسؤال هو كيف نعدل هذا الوضع المختل وخصوصا إذا استمر كوفيد معنا لمدة طويلة وكيف تستعيد العلمية التعليمية عافيتها تربويا واقتصاديا؟

تشير الدكتورة صفية إلى إن تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تنفي أن العودة بالمدرسة إلى حيث كانت في أواخر عام 2019، أي قبل جائحة كورونا، يمكن أن تفيد في معالجة الفاقد في التعلم أو أن تعوّض الخسائر الاقتصادية الناجمة عن إغلاق المدارس. المعالجة تكون، وبحسب المصدر نفسه، أن نرتقي بالمدرسة بحيث تصبح بيئة أفضل للتعليم والتعلم: أولًا بتوفير برامج أكثر توافقًا مع متطلبات الوضع الجديد، وتطوير أساليب التعليم عمومًا ومهارات التعليم عن بعد بوجه أخص، وتوظيف آليات جديدة تجعل المتعلم شريكًا في عملية التعلم ومتفاعلًا حقيقيًا معها. 

وثانيًا: العمل على تحويل المجتمع بأكمله الى مجتمع متعلم، أي أن يجد التلميذ نفسه يتعلم ويتلقى المعرفة في كل مكان وليس من المدرسة فحسب. وتختم د صفية بالقول إن تلك التوصيات إذا اشتغلنا عليها جميعا وبشكل جاد فسوف تستعيد العملية التربوية عافيتها ويعاود الاقتصاد نموه شيئا فشيئا.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة