عن كراكيب  مرئية واخرى مخفية : عصمت الموسوي

كثيرون استغلوا فترات المكوث الطويلة في منازلهم خلال مرحلة تفشي جائحة كورونا فأقدموا على التخلص من الكراكيب الكثيرة المخزنة في بيوتهم ومكاتبهم ، الكراكيب كلمة تتردد على الستنا يوميا ، ونحن نصف كل شيئ لا لزوم له بالكلمة الشعبية ذات الاصل الهندي "الكجرة" وتمتد الكراكيب لتشمل كل الاشياء والممارسات والسلوكيات البشرية، وقد تبدو عملية التخلص من الكراكيب وصفة ميسرة وصالحة للجميع ولا تحتاج سوى قليل من الارادة والعزم والتفرغ، لكن ليس الامر سهلا للبعض الاخر لذا تخصصت كتب لعل اجملها " كتاب "عبودية الكراكيب " ومواقع ومنصات الكترونية عديدة تروج الى افضل الطرق للتخلص من الكركيب فورا او على مراحل، ينصح احدهم: "ان كنت تخشى الشعور بالندم لاحقا فتمهل قليلا، واجمع كل ما تود التخلص منه واستخرجه من المخابئ والمخازن والدولاليب المنسية واستبقه عدة ايام او اسابيع امام ناظريك كي تتحقق من مدى حاجتك اليه، عندها تستطيع اتخاذ القرار المناسب بإزاحته دون ادنى شعور بالندم على فقدانه او خسارته" ، بالقرب من بيتي وجدت حاوية ملابس كتب عليها : قديمك جديدهم " عبارة موفقة ومشجعة على التخلص من الكراكيب ، فما قد نراه زائدا عن حاجتنا وغير مفيد لنا قد يحقق النفع للاخرين، وذلك عامل مهم في اتخاذ قرار التعاطي مع الكراكيب، فهي ستنتقل من مكان خامل الى اخر اكثر جدوى وسيعاد استخدامها وتتجدد دورة حياتها، واسوأ انواع الكراكيب هي تلك المخفية والمتراكمة بالتدريج مع توالي الايام والزمن او التي فشلنا في منع حدوثها ثم عجزنا لاحقا عن التخلص منها، فالشحوم على سبيل المثال اكبر واسوأ كراكيب الجسد ، بل ان عمر الانسان وفقا للنظريات الصحية الجديدة يحدد بمقاس خصره وحجم الشحوم المتراكمة عليه، في حديث جرى بني وبين اختصاصي جراحة تجميلية ذات مرة ، قال : ان الشحوم القديمة المتراكمة في اجسادنا تصير جزءا من اجسامنا وعندها تصبح ازالتها بالحمية والرياضة اصعب واشق، واما الجراحة فتشكل تهديدا وخطورة على حياة المريض ، ولذا نحن ننصح مرضانا دوما بتفادي بلوغ الشحم لهذه المرحلة " .

ثم هل ننسى تلك الكراكيب الواضحة والجلية التي نخشى مصارحة انفسنا بها ويحول الخوف والخجل ربما دون التفكير في ازاحتها من حياتنا ، فقد تكون مهنة ضاغطة او شركاء مهنة او تجارة او اصدقاء ينطوون على شخصيات مضطربة وباعثة على الازعاج الدائم ، الويل لنا ان سمحنا لآخرين بالتحكم في قيادة سفينة حياتنا ومارسنا اسلوب المجاملة والخداع والتكاذب على انفسنا واستسهلنا وجودها المعيق لنمونا ولنضجنا وتطورنا .

بيد ان ازاحة الكراكيب المادية من اي نوع تظل اسهل من تلك الكراكيب الذهنبة او انماط التفكير القديمة والقناعات الراسخة والمفاهيم التي استقرت وتجذرت عميقا في العقول والوجدان، ولعلنا نرى ان استمرار البقاء في دائرة الحزن والندم والكراهية والخوف والجشع والاسئثار والانانية هونمط حياة واسلوب عيش " كراكيبي " بامتياز ، فهل يرتجي المرء تطورا او سعادة او حبا او فرحا في مساكنتها ؟

وقد لا يفطن الواحد منا الا متأخرا لتلك المشاعر والطاقات السلبية المخزنة في حجرنا السوداء المخفية والتي استقرت عميقا في دواخلنا وصارت جزءا منا، تلازمنا ليل نهار وتنام وتصحو معنا وتقلقنا وتؤرقنا وتستحوذ على حياتنا وتمارس فعلها المدمر والسام على مجرى حياتنا ربما بوعي او دون وعي منا .

ولدى انظمة الحكم والاوطان والشعوب والمجتمعات والشركات والمؤسسات التجارية والسياسية وغيرها كراكيبها المتأتية من بقاء القديم المعيق وتجنب التغيير والخشية من الجديد ما يشكل بيئة " كراكيبية " خصبة للفساد تقود الى تنامي الفشل وتعاظم الخسائر، ولا سبيل لعلاج المنظومات الكراكيبية على اختلاف وتعدد انواعها الا برسم مسار آخر صحيح وانتهاج اساليب حكم رشيدة وسليمة، وازاحة كل السدود المعيقة للنهوض المستدام والتنمية الحقيقية والتخلص من كل الادارات " المكركبة "والقيادات " المكركبة " والسياسات "المكركبة "

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة