عن الخبر الذي لم يحدث : عصمت الموسوي
اخترت في ندوة مركز كانو الثقافي في مطلع شهر
ابريل الماضي التحدث عن الخبر الصحفي بين الامكانات والتحديات ، وكذلك مجالات
الابداع في تناول القصة الخبرية وتوظيفها في شتى صنوف الكتابة الصحفية ، وارى انه
بالخبر الصحفي المتميز – في ظل صعوبة ابداء الرأي راهنا – تستطيع الصحافة عبره ان
تحلق عاليا وان تحقق لنفسها الفرادة والتنوع والاختلاف بديلا للتماثل القائم حاليا
بين جميع المطبوعات الورقية والالكترونية ، لكن وقبل الحديث عن الجودة الخبرية والابداع
الخبري لابد ان نعرج على ما حل بصحافتنا الحالية من هزالة وضعف ومن تجاور على
الخبر وتجاهل متعمد لابجديات الخبر الصحفي الصحيح واعمدته الاساسية الجوهرية ،ولقد
انتقدت في الندوة سياسة نشر الخبر الجاهز المرسل من ادارات العلاقات العامة والمراكز
الاعلامية الجديدة " على علاته " دون استكمال عناصره الامر الذي يقوٌض
الاعراف والتقاليد الصحفية الراسخة ويؤسس لقبول الخبر المعيوب والناقص واعتباره امرا
معتادا وطبيعيا ، كما انه يكرس التماثل والتشابه القائم على الخبر المعوج بين
الصحف جميعها ويلغي اي فوارق او اختلاف بينها ، من يصدق ان تستسهل صحافتنا بعد هذا
العمر الطويل من تاريخها المديد والعريق كتابة الخبر غير المكتمل ، مع العلم بداهة
ان تجاهل اي ركن من اركان الخبر قد يضرب الخبر الصحفي في مقتل ، و كل يوم وانا اتصفح
صحافتنا ارى الخبر المظلوم والناقص في صدر الصفحات الاولى احيانا، مثل هذه الاخبار
التي يكتنفها الكثير من الاسئلة اللاحقة للخبر المعيوب تشعر القارئ انه امام اخبار
لم تحقق له الافادة الكاملة ولا الاشباع وتضعف علاقة القارئ بصحيفته لانها لا
تحترمه وتستخف بقدراته ، وشيئا فشيئا ينصرف عنها الى مواقع ومنصات اخرى ،فتكون
صحافتنا قد اضرت بنفسها وبكفاءتها ومصداقيتها بيدها لا بيد عمر .
هذه مقدمة لابد منها للتطرق الى الحديث عن
الخبر الذي لم يحدث ،فهل هناك اخبار لم تحدث ؟ وهل لدى الصحف هامش للتحرك والمناورة
في مجال الخبر الذي لم يحدث ؟
ان كل قرار او مشروع او استحقاق قالت الحكومة
انها ستنفذه ولم تلتزم بوعدها فيه يعد خبرا هو الاخر ،على سبيل المثال مواعيد
افتتاح المدن الاسكانية الجديدة ، المشاريع الاقتصادية الضخمة التي جاء الاعلان
عنها في مؤتمرات ضخمة وترافقت مع تصريحات تصدرت مانشيتات الاخبار والاستثمارات
المؤجلة ، او توصيات تقارير الرقابة الادارية والمالية ، مثل هذه الاخبار يتذكرها
الناس ويتداولونها وان حاولت الصحافة طمسها او تغييبها او خلق مبررات لالهاء الناس
عنها ،ولقد وجدت في تعليقات القراء على منصات الاعلام الرقمي والسوشيال ميديا الكثير
من الاخبار التي حل وقت ولادتها ولم تظهر للنور ،وارى ان تتبع ونشر مثل هذه
الاخبار ذات الطابع الاستقصائي والمرتبط بمصالح الناس وقضاياهم هو ما يوطد اواصر
الصحيفة بجمهورها وليس الخبر الرسمي الجاهز المتوفر على جميع المنصات الرسمية .
الصحفي الذي يحفر الصخر طولا وعرضا وعمقا
للبحث عن الاخبار كل يوم لا يخطأ الطريق الى الخبر الذي لم يحدث او الخبر الميت او
المغيب او المنسي او المركون في الادراج ،فيعيد طرح الاسئلة والنقاش حوله ويبعث
الحياة فيه مجددا ويمارس عبره ضغطا على صاحب القرار ،انها الاخبار التي من الممكن
ان يستعين بها الصحفي للايام الجافة صحفيا ايضا ، لذلك اقول ان صحفيا نشطا ومتمرسا
ومتابعا ووثيق الصلة بتاريخ اخباره لا يعاني من الافلاس الخبري ابدا .
تعليقات
إرسال تعليق