نصف ساعة مع نجيب محفوظ: عصمت
الموسوي
في خريف عام 2000 التقيت
الاديب الروائي الراحل نجيب محفوظ( 1911 –
2006 )كنت في زيارة للقاهرة واتاح لي الصديق الدكتور صلاح فضل وبمساعدة الاديب
الراحل جمال الغيطاني الفرصة للقاءه والتعرف عليه فقط ، وليس اجراء مقابلة صحفية ، ذلك كان شرطا
واضحا واساسيا ومن البداية ،فهذا وقت الراحة للاديب الذي يجلس مساء كل يوم في مقهى
على النيل " عوامة فرح " مع مجموعة من اصحابه الذين هم حلقة الوصل بينه
وبين العالم الذي انقطع عنه ، كان نجيب حين التقيته على شفا التسعين من عمره ، شيخا
مسنا وواهنا يتكأ على عكازة ، ضعيف السمع والبصر والحركة ،ويعاني الما مستمرا في
ذراعه اليسرى على خلفية محاولة اغتياله عام 1995 .
الروائي
الغزير الانتاج ابقى حياته الخاصة سرا ، وظل يردد انا غير موجود في رواياتي فلا
تتعبوا انفسكم بالبحث عني وعن افراد عائلتي " امي ليست امينة " " وابي
ليس السيد عبدالجواد " " وانا لست كمال عبد الجواد او غيره من ابطال
رواياتي سواء في في الثلاثية الشهيرة او غيرها من الروايات ، اجتهد نجيب للحفاظ على حياته وحياة وخصوصية اسرته من اجل ابقاءهم
في حال امن وسلام ربما خشية من ان تصيبهم سهام التجاذب والاتهامات والشكوك التي
احاطت اعماله .
وقد
تزوج نجيب سرا ، ولم يعلم الناس بزواجه إلا بعد فترة طويلة ولم يشاهد الناس ابنتيه
إلا بعد نوبل عندما ذهبت الابنتان لتسلم الجائزة ، كما لم يخرج عنهما اي تصريح
للاعلام الا مرتين ،المرة الاولى عندما خرجت ابنته الكبرى ام كلثوم على برنامج
تلفزيوني كي تسر إلى الجماهير بالخدعة ،حيث تلقى نجيب محفوظ قلادة النيل المزيفة ،
وقد ماتت ام كلثوم عام 2017 ودفنت بسرية ودون ان يعلم حتى أقرب اصدقاء نجيب بالامر
، وثمة قصة خبرية ثانية جري تداولها مؤخرا بين ورثة الاديب وبين احد كتاب الدراما
الذي يعتزم تقديم مسلسل عن حياة نجيب ،قالت ابنته هدى محفوظ انها الوحيدة المخولة
بتقديم سيرة وادها التي كتبها بخط يده وستقاضي من يقدم سيرة غيرها ؟ هل يملك
الابناء هذا الحق وحدهم ،اليس نجيب شخصية عربية وعالمية وملكا للجميع ؟ الم تتوزع سيرة
نجيب على عدد من الاعمال والمقابلات المرئية والمسموعة والمكتوبة الكثيرة
والمتنوعة ؟
قبل
ان يتلقى نجيب محفوظ الطعنة كانت المنابر الدينية تشتم وتكفر وتحرض على نجيب محفوظ
، الشاب الذي اقدم على طعنه قال : " سمعت انه كافر من واعظ ديني شهير في احد جوامع
القاهرة ولم اقرأ حرفا من كتبه" ، ويقول احد السفراء الغربيين للاديب المصري
محمد سلماوي في تعليق على الحدث " لو كان لدينا اديبا كنجيب محفوظ لاشتغلنا
على توصيله لنوبل ، وعملنا على اقامة الحراسة المشددة على حياته لا ان نتركه هكذا عرضة
للاخطار ، المعروف ان نجيب رفض الحراسة الشخصية ، الا ان ترشيحه لنوبل لم يلقى
قبولا من الرئيسان السادات ومبارك الذين
رشحا ادباء اخرين غير نجيب محفوظ .
وفي
المقابلة القصيرة جدا والتي لم تتجاوز النصف ساعة قلت لنجيب " انا هنا لتسجيل
تقديري واعجابي فحسب " لكنني وجدت صعوبة في الكلام معه بسبب ضعف سمعه ، وحذره
المعتاد في التعاطي مع الصحافة ، لكني رأيته ساحرا وعلى جانب من الظرف والذكاء
وحضور البديهة ،يقاوم المرض والعجز بالضحك والسخرية وسرد الطرائف .
وقد
سالته ثلاثة اسئلة
·
اين اولاد
حارتنا اليوم ؟
-
تسربت في
عدد من الاعمال الروائية قبل ان يعاد نشرها .
·
وهل ستغير
لغتك بعد نوبل ؟
-
ولماذا
اغير اللغة التي اوصلتني الى نوبل ؟
·
كيف هو
شعور المرء حين يبلغ التسعين ؟
-
الحياة
تصبح عبئا حين تعجز اعضائنا عن تأدية وظائفها
وقد
اسر لي جمال الغيطاني ان اللقاء مع نجيب يجب ان ينتهي حين يقرر انه يريد تناول
العشاء لانه يخجل من فعل ذلك امام مرأى من الناس بسبب اعاقة ذراعه ،وبالفعل غادرت
فورا بإشارة من الغيطاني واعتذر لي نجيب بنفسه قائلا : " انزوي بنفسي عند
تناول الطعام " .
في
لقاء متلفز قبل وفاته ذكَره صديقه الاديب يوسف القعيد ، بمقولة سابقة كان نجيب
يرددها ، " انا شخت وعمرت وشفت العجب " وسأله : ماذا تقول اليوم وقد
تجاوزت التسعين ؟ اجاب نجيب وسط ضحكة مجلجلة : مش قادر اشوف العجب .
تعليقات
إرسال تعليق