ممنوع من التداول : عصمت الموسوي
في العام 2002 ،كتبت هذا المقال واعيد كتابة
اجزاء منه اليوم للمقارنة بما كنا عليه وما اصبحنا فيه
" سؤال : هل من الممكن ان تتواجد في سيبيريا
وانت في البحرين ؟
سؤال افتراضي قد تقولون ، لكنه حدث ويحدث كل
يوم وفي كل مكان في العالم الثالث ،ان ترى الى نفسك منفيا ومبعدا بينما تعتقد انك في
الوطن ، والذين اكتوا بهذه الظاهرة العجيبة اسموا انفسهم " الممنوعون من
التداول " ، انها فئة لا شأن لها بالسياسة احيانا ، لم تصدر بحقها يوما احكام
قضائية ولا سوابق مخالفة لها حتى في السجل المروري ، مع ذلك حرمت هذه الفئة
ولسنوات بل ربما عقود ، حٌرمت من الحضور والتواجد والظهور والنجاح والانجاز ، وقد
خضع هؤلاء ولسنوات طويلة في اعمالهم الحكومية وانشطتهم الخاصة لقانون شفهي غير
مكتوب وغير واضحة احكامه ومدد عقوبته ، وهو قانون اشد قسوة وألما من غيره من
القوانين ، فالمشمول بهذا القانون او المتضرر - اذا كان موظفا رسميا على وجه
التحديد - لا يدري لمن بيث شكواه ولمن يتظلم ، اذ انه لا يملك ادلة مادية ملموسة على
استهدافه او استبعاده من الترقيات والحوافز والمكافآت والدورات المهنية التدريبية
ومن قوائم المدعوين والمكرمين في الحفلات السنوية ، ومن رحلات وبرامج السفر الخارجية
، حتى تلك المشاريع الخاصة التي يدشنونها وحدهم وعلى نفقتهم الخاصة لا تلبث ان
تتبدد وينفض عنهمم الشركاء او يحجمون عن الاستمرار معهم فيها دون مبررات ، او ربما
قد يخرج هؤلاء الشركاء ويعلنون على الملأ براءتهم من تلك المشاريع وتنكرهم لاي شراكة فيها
.
وعليه فمن المستحيل ان تجد صورة احد اولئك "
الممنوعون من التداول " منشورة في اي مطبوعة او جهاز اعلامي رسمي او خاص ، كما لن تراه يوما يدلي برأي او
تصريح او مدعوا الى مؤتمر او فعالية عامة كأقرانه وزملائه في هذا المجال او ذاك ، لذا
فقد عاش " المنوعون من التداول" حياة ضيقة ومحدودة ومحاصرة وعالية التوتر ، اذ ظل
الخوف والتوجس يعتريهم من الاقدام على اي مشروع جديد ، وتبدو الصورة امام هؤلاء
مشوشة ومبهمة ، اذ قد يسئ احدهم فهم وقراءة الاشياء والبحث في بواطنها وجذورها فيتهمون
من حولهم ،زملاءهم واصدقاءهم او اعداءهم او ربما حتى ازواجهم بالكيد لهم او التآمر
عليهم او الوشاية بهم ، وقد يركنون الى حقيقة ان ثمة اشباحا غير مرئية تتحكم في
مصائرهم او ان نحسا من نوع ما يحيط بتحركاتهم اذ لا توجد اوراق وتصاريح واضحة
بحقهم تقول بالرفض او المنع او غيره "
انتهى المقال الذي اوجزت جزءا منه لأقول ان
الممنوعين من التداول بالامس نعموا بفسحة زمنية من التداول امتدت لعشر سنوات وذلك
في اعقاب انطلاق المشروع الاصلاحي لجلالة الملك.
ثم جاءت احداث الربيع العربي عام 2011 فأعيد
الكثير منهم واضيف اليهم مجموعة اخرى اكبر الى قفص " منع التداول " لكن
هذه المرة وفق قوانين اوضح واشد قساوة ، اذ جُرد الكثيرون من حرياتهم وجنسياتهم
وجاء قانون العزل السياسي فوضع نسبة كبيرة من المواطنين في خانة الممنوعين من
التداول في الشأن السياسي والاجتماعي والمهني والنقابي .
وقد بدا للوهلة الاولى ان تقرير اللجنة
المستقلة الوطنية لتقصي الحقائق او ما اصطلح عليه شعبيا ب تقرير بسيوني ، وبما
تضمنه من توصيات مهمة سيمثل جسرا لرأب الصدع واعادة الثقة بين الحكومة والشعب ، وانه
سيظل مرجعا اساسيا في اي خلاف او تأزم او انسداد سياسي لاحق بين الطرفين، لكن ذلك
لم يحدث، بل ان التقرير الاممي ذاته قد
اصبح هو الاخر منسيا و" ممنوعا من التداول " .
تعليقات
إرسال تعليق