عن
الجمال والسعادة : عصمت الموسوي
سؤال
: لماذا نلح في طلب الجمال المظهري الى هذا الحد ؟ هل يطلب الجمال لذاته ام من اجل
شيئ آخر ،قبل ان اجيب على هذا السؤال ، احيلكم على الاف من مواقع طلاب الجمال
والموضة والاناقة على وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة والمختلفة ، تأملوا فيها
والى ماذا ترمي ؟ هل هدفها ابراز الجمال
وتوظيفه والاستفادة والتربح منه ، ام انها شهوة الشهرة ولفت
الانظار والمعجبين وتعظيم البزنس عبر تجميع وتكبير المتابعين و اللايكات وكلمات
الاستحسان والمديح ؟
ونعلم
بداهة ان الجمال هو في حد ذاته غاية ، فالناس تريد التقدير والتفوق والتميز على
غيرها ، والجميل يحصل عليه بدون جهد احيانا ،قال احدهم " اسهل شيئ ان تكون
جميلا اذ ما عليك الا ان تولد كذلك " لكن ان لم تولد جميلا في عالم ينحني
تعظيما للجمال فما عليك الا ان تخلق المستحيل وتبذل الغالي والنفيس للحصول عليه ،
لدى الناس يقين عارم ان الجمال جالب للحظ والحضوة والمكانة والتقدير وان الطب
التجميلي الحديث وتقنياته المتطورة قدم خدمة كبيرة لطلاب الجمال من الجنسين ، وهو قادر على صنع وتحقيق المعجزات الجمالية اصلاحا
وتعديلا وترميما ، لهذا ينفق البشر اليوم نساء ورجالا كل هذه الاموال ويتحملون قسوة
الجراحة وتداعياتها ومضاعفاتها من اجل ان يبدو الواحد منهم اصغر سنا واقل انكماشا
وتجاعيدا ، ،يقبل الحسن والجمال فتسعد به الانظار وتتلقفه العيون والايدي والاحضان
،الجمال لا شك يسعد ويلهم ويمنح الرضا الذاتي والسعادة ويرفع منسوب الغرور
والتباهي والتعالي ايضا لدى البعض ، ويبدو الاكثر جمالا هم الاوفر حظا في امتحانات
القبول، انه جواز مرور لكل شي ، للوظيفة والزواج الاستثماري والتجارة
وغيرها .
ومن يلج هذا العالم ويسبر غوره ، سيجد ن الجمال كان ولا يزال مطلبا في
كل العصور والازمان وان تفاوتت الاذواق والامزجة ، في
تحقيق قرأته قبل سنوات عن الجمال لدى الشعوب وكيف يتفاوت من ثقافة لاخرى ، وجد
التحقيق ان هي السمنة هي اجمل صفة لدى قبائل الطوارق وموريتانيا ، ويتهافت الرجال
على المرأة ذات الحوض العريض في الجابون ،
والشفاه المثقوبة والاثداء الطويلة وحتى الاسنان المتساقطة التي تمنح المرأة مظهرا
طفوليا هي صفات مرغوبة ومحببة لدى بعض
القبائل البدائية في اثيوبيا ومالييزيا والتي لم تصلها رياح التغيير ، يخلص المقال
بالقول : "قد تكونين يا عزيزتي جميلة الجميلات ولكن في الزمان الخطأ او المكان الخطأ "
في
لقاء اجريته مع مصصمة ازياء جزائرية قالت لي : اننا لم نسع يوما لمحاكاة الموضة
الغربية ،المرأة الجزائرية ضخمة وسمينة بطبيعتها ونصنع لها الازياء التي تناسبها .
لكن
في في مهب ريح العولمة صرنا نتلقى نموذجا واحدا للجمال يسيًر من قبل وسائل الاعلام
والاعلان والموضة والافلام ومنتجات التجميل وصناعته، وذات مرة سمعت هذه الحكاية من اختصاصي تجميل ،
إذ زارته سيدة عربية وفي هاتفها صورا من زوايا عديدة لانف الممثلة العالمية نيكول
كيدمان ، فاجابها الطبيب ، الجمال هو التناسق يا عزيزتي ، ان انف نيكول لا يستقيم
مع وجه عربي الملامح والتقاطيع ، سيبدو انفك غريبا وصغيرا وحادا ومدببا على مساحة
وجهك العريض ، انف نيكول وحده لا يكفي بل تحتاجين شفتيها وعينيها ووجنتيها .
في
عام 1992 وبعد الانفراج السياسي في جنوب افريقيا حضرت حفلا شاركت فيه "ملكات الجمال " في جميع
دول العالم في ذلك العام ، هؤلاء الجميلات تختارهن لجان خاصة صغيرة ذات معايير محددة
وغربية ايضا ، ورغم تفاوت جمالهن والوانهن وتقاطيعهن وجدت صفتين تجمعهن الطول
والنحافة .
نعم
لكل عصر مقاييسه ،لكن طغيان العولمة في زمننا افقدنا ميزة وجمال التنوع والاختلاف
، فنحن نتشبه اليوم بالاقوى ونحاكي معايير الغرب واشكالهم ووجوههم وازياءهم ،وعليه
فأن الجمال الاصلي والمتنوع قد تراجع لصالح الجمال المصنًع المتماثل
فحتى
نجمات الهند والصين واليابان وافريقيا انخرطوا في هذه الموجة للتماهي مع تيار
الجمال السائد وللحصول على المقبولية وفساهموا وكرسوا صورة واحدة مطابقة للجمال
كما نراه اليوم في كل مكان .
يروى
ان غادة الكاميليا اذا دخلت مكانا ولم يلتفت اليها احد سارعت الى اقرب طاولة وراحت
تدق عليها بيديها بضربات قوية للفت الانظار، ما يفتح على السؤال الاخير : هل ما
يزال الجمال يطلب لذاته او لمجرد جني السعادة وتحقيق المنافع المادية والشهرة وجلب
الانتباه ؟
تعليقات
إرسال تعليق