قبل السرطان وبعده : عصمت الموسوي
يعود اغلب المصابون والمصابات بالسرطان بعد
رحلة العلاج والتعافي المضنية والمريرة الى السير عكس الاتجاه السابق والمألوف
الذي اتبعوه قبل اكتشاف المرض ، ينتهجون اسلوبا معتدلا ومتوازنا وهادئا في كل شيئ
، بدءا بتعاطي الغذاء السليم والصحي وانتهاء بالمحافظة على مزاج نفسي مريح يحرصون
على ابقاءه رائقا بعيدا عن الغضب والتشنج والعصبية ، يصير شعارهم " خذها
بسهولة " take it easy فلا شيئ يستحق تحميله اكثر
من طاقته او طاقتهم على استيعابه .
يدرك مرضى السرطان في الاوان او ربما بعد
فوات الاوان ان لا شيئ مما فعلوه او اختزنوه في انفسهم او حملوه على اكتافهم من
اعباء كان جديرا بكل هذا القهر النفسي والتوتر والضغط على الاعصاب .
وفي السرطان نلحظ ان المصابين به ينقسمون الى
فئتين " وفق اجتهادي الشخصي ومشاهداتي " : فئة تثمن الحياة وتحرص على ما
تبقى منها مستمتعة قدر الامكان بما توفر لها من ظروف مغايرة وغير مألوفة محاولة ان
تجد زوايا ورؤية ومعنى اخر لحياتها الراهنة والمقبلة ، وفئة ثانية نجدها ناقمة
ومتذمرة داخليا وخارجيا ، يتبدى ذلك في اقوالها وممارساتها اذ ترى ان السرطان قد
اختارها لسوء حظها وانه قد اقطتع جزءا كبيرا من نصيبها في السعادة والهناء والمتعة
، فتنحو صوب لوم الظروف وطرح التساؤلات حول عناء وجدوى مواصلة الطريق بعدة ناقصة معروفة
النهاية ، هذه الفئة الاخيرة من النادر ان تجدها في حالة رضا او قناعة سواء قبل
السرطان او بعده ،وفي حين تتكيف الفئة الاولى مع المرض وتعيش عمرا مديدا ، تسارع
الفئة الثانية الى حفر قبرها بيدها ،وترى اغلب الدراسات ان العامل النفسي يلعب
دورا رئيسيا في مكافحة المرض والتعافي ، واذا نحينا العنصر الوراثي جانبا في حالة
الاصابة بالسرطان وحيث يؤكد المختصون ان بامكان المرء الافلات منه او تكريسه عبر
اسلوب ونمط تفكير مختلف عن المألوف .
تقول الدكتورة الجراحة والباحثة كريستيان نورثراب في كتابها “اجساد النساء حكمة النساء women's Bodies, Women's Wisdom
الصادر عن دار بانتم الامريكية عام 1994
والذي حقق شهرة عالية وكان الاكثر مبيعا على قائمة
نيويرك تايمز عند صدوره " ليس من
الضروري ان نرث امراض آباءنا واجدادنا لكننا اذا آمنا وسلمنا بحتمية اصابتنا بها
فسوف نمهد الطريق للمرض ،المرض حسب الكاتبة هو ما نزرعه نحن في اذهاننا وليس ما
يزرعه آباءنا في جيناتنا "
وتستعرض
الكاتبة كيف " ان كثير من امراض البشر هي من جنس طبائعهم وخصالهم وامزجتهم الذهنية وطريقة تفكيرهم وقناعاتهم وتصف
ذلك بالشرح "
ان خلق الانسجام والتناغم بين الصحة الجسدية
والنفسية له قدرة كبيرة على مقاومة الامراض التي تعتري الجسد " .
لكن المفارقة
الغريبة والعجيبة هي حين يكون البشر اكثر تقبلا للموت من تقبل فكرة الاستدارة والانعطافة
الكاملة نحو التغيير والتحول الجذري الشامل ، وفي امثالنا نقول " من شب على
شيئ شاب عليه " وربما مات بسببه .
تعليقات
إرسال تعليق