المقاطعة فعل مقاومة وتغيير : عصمت الموسوي

في منتصف الثمانينات استيقظ اهالي لندن والعالم على خبر يقول ان دعاة حماية الحيوان قد قاموا بتسميم قطع شيكولاته  "مارس"  الشهيرة الموجودة على ارفف مخازن الاغذية والبيع في كل مكان ، شركة مارس المتحدة شركة امريكية متعددة الجنسيات تنتج مصانعها السكاكر واطعمة الحيوانات الاليفة ،كان الهدف من هذه الحركة هو معاقبة الشركة على استخدامها للحيوان في تجاربها المعملية ، وعلى اثر ذلك قامت الشركة بسحب كل منتجاتها الموجودة في الاسواق حماية للمستهلك وخشية من من تضرر سمعتها ، وفي فترة وجيزة من هذا الواقعة هبطت مبيعات الشركة العملاقة بشكل كبير ، ولان سوق الشرق الاوسط ومنطقة الخليج تعد سوقا مهمة لهذا المنتج ، فقد تلقيت وقتها دعوة مدفوعة التكاليف  لزيارة مصنع مارس في لندن وتغطية الحدث صحفيا ، تجولنا في المصنع وشاهدنا مراحل التصنيع المختلفة ، طرنا على مقاعد الدرجة الاولى واقمنا في احد فنادق العاصمة البريطانية ذات الخمس نجوم وتناولنا وجاباتنا في اشهر وافخر المطاعم ،وتعد هذه واحدة من اغلى الرحلات الصحفية في حياتي المهنية ،ولا عجب فشركة مارس المتحدة الخاصة تبلغ عائداتها بالمليارات وتنفق الملايين سنويا على وسائل الدعاية والاعلان ،والرحلة كانت احدى الوسائل للوصول الى المستهلك الخليجي عبر الاعلام واستعادة الشركة لاسمها وسمعتها في السوق مجددا .

تذكرت هذه الحكاية وانا ارى واسمع كل يوم هذا الانتشار الواسع لحركة المقاطعة العربية والعالمية على وقع الحرب عل غزة ،وتضامنا مع الاف المدنيين الذين يتساقطون تحت ضربات القصف الوحشي الاهوج والذي يرمي الى ابادة سكان قطاع غزة وتهجيرهم تمهيدا لاعادة احتلال الارض ، غزة كما تشير التقارير الاقتصادية وقبل السابع من اكتوبر لا تزرع الزيتون والليمون فحسب بل تنطوي على موارد اقتصادية كامنة في البر والبحر ، وان مخطط الاستيلاء عليها واحتلالها قديم ومعلن منذ فترة ليست بعيدة .

وعودة الى المقاطعة ذات الدوافع الوجيهة والمعنية بوقف ابادة شعب يقاوم ويدافع عن حقوقه ،فالواقع يثبت ان هذه المقاطعة لاسرائيل والولايات المتحدة والدول الغربية الداعمة والمنحازة للكيان الاسرائيلي اصبحت مقاطعات ممنهجة ومدروسة ومتنوعة وعلى مختلف المنصات الالكترينة بل هي اشمل واعظم من مجرد حركة مضادة للحرب او لتسجيل موقف سياسي معارض ،اذ تحولت الى حرب اقتصادية موازية للحرب العسكرية وقائمة بذاتها يشنها العالم على اسرائيل وداعمييها ،وهي موجعة وتحقق الخسائر الفادحة للشركات يوميا من اجل دفع صاحب القرار للتحرك ولتغيير المواقف الرسمية المساندة لاسرائيل ،وسوف تحتاج هذه الشركات راهنا ومستقبلا الى مبالغ فلكية من الدعاية والاعلان للعودة الى الاسواق مجددا ،وهو ثمن باهظ جدا يقتضي تغيير المواقف واجبار اسرائيل على الامتثال للقانون الدولي ولقرارات الشرعية التي انتهكتها منذ ولادتها ولغاية اليوم .

 

، وفي كل يوم تمنحنا وسائط الاعلام البديل ومواقع الانترنت وصناع المحتوى الالكتروني المزيد من الاسماء والمنتجات مع ايجاد بدائلها وامثالها ، ان فعل المقاطعة الذي نتمنى ان يكون مستداما ودائم الحيوية والنشاط يثبت ان لا طعام ولا دواء ولا حتى تكنولوجيا يصعب الاستغناء عنها او خلق بديل لها الا فيما ندر ، بل ان هذه المقاطعة  تشكل ضغطا وتعد دافعا لكسر الاحتكار وللتغيير وللابتكار والتصنيع وتجويد المنتج المحلي وعدم الاستسلام او الركون لما هو متوفر ومتاح وسهل ، انها مناسبة للاستدارة عن التنميط والامتثال والرضوخ الاستهلاكي وللتفكير خارج صندوق النهج الرأسمالي ووسائله في احكام السيطرة على الشعوب ، حقق المنتج الغذائي المحلي المصري نجاحا فائقا في اعقاب المقاطعة الاقتصادية لعدد من المنتجات الغربية ، بل ساهم في توسيع المصانع مضاعفة توظيف العمالة الوطنية  

لقد اعتدنا في حياتنا على تعاطي نفس المنتجات في الغذاء والملابس والدواء ووسائل الحياة الاخرى حتى بدا اننا موالين الى درجة العبودية وغير قادرين على فعل اي شيئ مغاير ومختلف ،ان المقاطعة الاقتصادية استخدمت دوما كمقاومة سلمية ومشروعة في الحروب غير المكافئة وهي اثبتت ان الناس والمدافعون عن ارضهم وحقوقهم ليسوا ضعفاء ومنزوعي السلاح ، بل ان لهم حول ولهم قوة ..  

" ان الشرق الاوسط سوق مهم جدا لمنتجاتنا " ذلك ما قاله خبير مصنع مارس على اثر تدهور مبيعات الشوكلاته الشهيرة قبل اربعين عاما دفاعا عن حقوق الحيوان "  وهي تتكبد اليوم خسائر مضاعفة لان المستهلك العربي ادرجها على قائمة اعدائه دفاعا عن حقوق الانسان الفلسطيني .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة