نادي الجسد المتيبس : عصمت الموسوي
قبل عدة سنوات رفضت السيدة شيخة (85 عام) مواصلة جلسات العلاج الطبيعي بعد ان قطعت شوطا مع ممرضة شابة تحضر خصيصا اليها يوميا وتطبق معها أساليب العلاج الطبيعي الخاصة بالمسنين وهم على اسرتهم " ممن وهن العظم منهن واشتعل الرأس شيبا" احتجت شيخة قائلة لأبنائها : انها لم تستفد شيئا من هذا العلاج وانها تفضل عليه مدلكتها السابقة " مراختها " القديمة والتي تمارس معها أساليب العلاج التقليدي بالزيوت الطبيعية والكمادات الساخنة، تلك المرأة التي استطاعت في الماضي ان تزيل آلامها وأوجاعها بلمساتها الساحرة، ناهيك انها تأنس اليها والى سوالفها ولطفها .
وذهبت شيخة إلى"المراخة" استجابة لطلبها ، وتبين أنها امرأة طاعنة في السن، تجلس على حصير مهترئ في غرفة متهالكة في قرية توبلي، وبصعوبة متناهية وبيدين مرتجفتين وواهنتين حاولت تدليك جسد شيخة فلم تسعفها قوتها، وما هي إلا دقائق حتى نفضت يديها ومسحتهما بثيابها معلنة انتهاء الجلسة، مشهد سوريالي بامتياز، فكلا العجوزتين أوهن من الأخرى ،شيخة شاخت " ومراختها" شاخت ، ولقد تذكرت شيخة رحمها الله كل شي ونست او تناست العمر الذي بلغته والضعف الذي اصاب جسدها على مدى اعوام مديدة من حمل متكرر وخدمة منزلية شاقة، فهل يصلح التدليك ما أفسد الدهر ؟
اختصاصيو العلاج الطبيعي وطب المسنين المتطور يزعمون حاليا ان بالإمكان تحقيق شيخوخة صحية وآمنة ومريحة نسبيا بالرياضة والغذاء والاسترخاء الجسدي والذهني، لكن الأهم هو التهيئة له من عمر مبكر عبر الاستمرار في بناء العضلات ، وقرأت ذات مرة كتابا بعنوان " رحلتي إلى التسعين" تصف فيه الكاتبة الطريق المثالي إلى هذا العمر المتقدم بأقل قدر من المشكلات .
ونفهم شكوى كبار السن من أجسادهم المتيبّسة وعضلاتهم الواهنة الهشة، إنه الزمن والتحوّل والتغيّر والتبدل وسنّة الطبيعة، لكن لمَ نجد الشكوى نفسها تتعاظم اليوم بين اليافعين والشباب؟
هل يعود الأمر إلى الاجهزة والتكنولوجيا والشاشات والحواسيب والهواتف التي يتسمرون أمامها بالساعات يوميا ؟ كثيرون يشتكون اليوم من معضلة الدوار وان الدنيا تلف من حولهم حين يرفعون رؤوسهم من على تلك الاجهزة ، ينتابهم إحساس بأن أجسادهم قد خيطت او انعقدت في بعضها البعض ، فليس الجسد وحده هو الذي يتعفن جراء طول الجلوس وقلة الحركة ، إنما العقل أيضا كما تشير الجامعة العريقة اكسفورد ، إذ اختارت مصطلح " تعفن العقل " بوصفها كلمة العام للتعبير عن سلبيات الانغماس المفرط للبشر في استخدام التكنولوجيا الرقمية .
أم ربما يعود السبب إلى البيئة والطقس المعادي شديد الرطوبة وشديد التلوث في بلداننا المكتظة بالسيارات والأبخرة السامة التي تنفثها ، والذي لا تصمد الخرسانة الاسمنتية في ظله ، فكيف بالأجساد البشرية ؟
قبل عدة أعوام نشرت دراسة علمية تبنتها الأوساط الطبية لاحقا، قالت فيها ان الكرسي والجلوس الطويل عليه هو اكبر و اخطر امراض العصر… على احد مواقع التيك توت وفي لقطة سريعة سُئلت سيدة مسنة ، ما هو السر في العمر المديد ،اجابت : الابتعاد عن الكرسي .
هذه الحقائق هي ما فطنت إليه المصحات الرياضية والصحية ذات الجودة العالية والتي يتم فيها أخذ المريض إلى عالم مختلف عما تعود عليه ، ثورة تصحيح شاملة وجذرية ، تبدأ منذ لحظة الاستيقاظ من النوم ، حيث التنفس الصحيح والجلوس القويم والمشي والوقوف المتزن والطعام المغذي والوزن المناسب والاحذية الطبية الصحية ، ذات مرة أخبرني مدرب سباحة انه كان يراقب دوما كيف يمشي الناس وكيف يقفون وكيف يجلسون فتبين له ان كل حركاتهم خاطئة وتشي بما هو قادم من مشكلات صحية آتية لا محالة، وان اغلب الناس لا يدركون ذلك قبل حدوث اصابة جسدية ترغمهم لاحقا على إعادة تصويب تحركاتهم.
و المعروف بداهة ان النساء العصريات اكثر اساءة في التعاطي مع أجسادهن من الرجال ،فإضافة إلى الحمل وتأثيره السلبي على جسد المرأة فإن تعذيب الجسد يتمثل في استعمال المشدات الضاغطة والكعوب العالية وجراحات التجميل القاسية والتي جل ضحاياها من النساء.
شيخة وغيرها من نساء زمنها شاخت ربما في وقتها الطبيعي ، اما نحن نساء ورجال الجيل اللاحق فقد عرفنا كل انواع امراض العظام و العضلات والانزلاق الغضروفي و الهشاشة المبكرة والتوتر المرَضي وتعفن الدماغ قبل الاوان.
تعليقات
إرسال تعليق